26 - 06 - 2024

ترنيمة عشق | حتىٰ أنت يا بروتس ؟!

ترنيمة عشق | حتىٰ أنت يا بروتس ؟!

ثبُت أنّ التّاريخ لا يملّ نفْسه من تكرار دروس الخيانة والخذلان.. فيبدو أنّ الغباء والكبرياء صفتان لا يمكن التّخلي عنهما بسهولة..

فقد كان "الأحباش" بقيادة "أبرهة الأشرم" لا يعرفون مكان "الكعبة" التي يريدون هدمها لأجل أن يحجّ النّاس لـ "القُليس" التي بنوها لمنافسة مكانة "الكعبة" في نفوس العرب.. وكلما جاؤوا بدليلٍ من العرب ليدلهم على طريقها يرفض مهما عرضوا عليه من مالٍ !!

لم يَقبل عرْضهم غير "أبو رغال".. لذا يُنعت كلُّ خائنٍ عربيٍّ بعده بـ "أبي رغال".. لأنّه خان قومه لمصلحته الخاصّة !! فاحتقره العرب وازدروه لأنّه لم يكن يُعرف عن "العرب" -في فترة الجاهلية !!- مَن يخون قومه مقابل أجر معلوم.. وبعد مماته رجم النّاس قبره !!

"يا إلهي.. أيمكن أن يحدث ذلك ؟! حتى أنت يا بروتس" ؟! هكذا كانت العبارة الشّهيرة والتي تعدّى عمرها 600 عام.. وقد جاءت على لسان "يوليوس قيصر" القائد الرّومانيّ، عندما طعنه صديقه المُقرّب "بروتس".. وفي لحظة ذهولٍ خاطفٍ ومروّعٍ؛ لم يُصَدّق فيها القائد عينيه ولم يحتمل خيانة "صديقه" رغم ألم الطّعنة التي تلقاها مِمّن أولاه ثقته.. تلك العبارة الأليمة جاءت في المسرحيّة التّراجيديّة الشّهيرة " يوليوس قيصر" للأديب البريطانيّ  "وليام شكسبير" عن روايته التي صدرت عام 1599.

كان "بروتس" أحبّ أصدقائه إليه ومحل ثقته، حتى قيل أنّه ابنه؛ مِن كثرة ما أغدق عليه من عطايا ومنح ومناصب.. وكان بدوره كريم الخُلق محبوبًا من الجميع.

نعود للمشهد المسرحيّ؛ فنجد "قيصرًا" يتلقّى عدّة طعنات قاتلة من كثيرين؛ لكنّه يظل متماسكًا يقاوم الموت.. وما إن يُطعن بيد صديقه حتى يصيح مفجوعًا في صديقه: "إذن.. فليمتْ قيصر".. فقد أدرك حينها أنّ الطّعنة من الصّديق أشد إيلامًا ووجعًا، والمدهش أنّ "بروتس" بعد فعلته تلك لم يهنأ في عيشه وخسر كل شيء !!

" يهو..ذا الإسخربوطيّ" واحد من تلاميذ "المسيح" -عليه السّلام- وهو الذي خانه وسلّمه لليهو..د ليقتلوه ويصلبوه؛ مقابل ثلاثين قطعةٍ من الفضّة.. بعدها ندم على فعلته النّكراء، وردّ المال لليهو..د، وغادر ليقتل نفسه !!

الأمير المملوكيّ "الظّاهر بيبرس" خان صديقه "سيف الدّين قُطُز"؛ وقتله بعد معركة "جالوت".. ويُقال أنّه بعد انتصار "قطز" على "المغول" في "عين جالوت" رحل وراءهم فحرّر مدن الّشام  جميعها.. فقتله "بيبرس" لأنّه لم يعطه ولايتها.

نبوة سيدنا ”محمد" -صلّى الله عليه وسلّم- كانت كفيلة ليصبح فجأة منبوذًا مذمومًا وهو بين ظهراني أهله وقبيلته وبلدته !! رغم أنّه أراد الخير لقومه.. لكنّ كبرياء "قريش" وخوفها على ضياع المُلك والسّيادة منعها من اتباعه أو الاعتراف به.. فعملوا على تحطيمه بكل السّبل.. لكنّهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.

وقال رَجلٌ منهم "رشيد" يُدْعى "عُتبة بن ربيعة": يا معشر قريش أطيعوني؛ واجعلوها بي، وخلّوا بين هذا الرَّجل -يقصد النّبي محمدًا- وبين ما هو فيه.. فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم.. فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم؛ وإن يظهر على العرب فمُلكه مُلككم وعزُّه عزّكم وكنتم أسعد النّاس به".. كلمات حكيمة من ألد أعداء الدّين الإسلاميّ، لكن إجابة قومه كانت تحمل غباءً وكبرياءً وسخريةً حين قالوا لعُتبه: "لقد سَحرك والله با أبا الوليد بلسان".

وتمُرّ السّنون؛ ويُظهر الله الإسلام على الدّين كله رغم كره الكافرين؛ ويرتفع شأو العرب والمسلمين؛ ويخسر المكذبون خُسرانًا مبينًا.

وهكذا.. فالخذلان والخيانة أقسىٰ أنواع الألم؛ لا سيما حين تأتي من القريب؛ لكن.. ما من خائن إلا ونال ما يستحق.. وتلك درس من آلاف الدّروس والمواعظ التي تلقيها علينا "غز..ة" كل يوم بل كل دقيقة.. ولسان حالها يضيف: "في قاع بئر الخيانة يقبع ثعبانٌ ذو ثلاثة رؤوس.. فرأسٌ واحدة لا تكفي.. فكَم مِن " يهو..ذا" و"أبي رغال" و"بروتس" يعيش بيننا !! لكن لن تعدم غز..ة وجود "رَجُلٍ رشيدٍ حكيمٍ"؛ فوالله سيكون لها نبأ عظيم ولو بعد حين.
----------------------------
بقلم: حورية عبيدة


مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | حتىٰ أنت يا بروتس ؟!





اعلان